قصة سليمان عوده
رحلتي من دبي إلى قلب صناعة المولات في الخليج
لكل قصة بداية... وبدايتي كانت من دبي، المدينة التي لا تتوقف عن الإبهار. هناك كانت أولى خطواتي المهنية، حيث ساهمت في تطوير مركز الهنا التجاري في منطقة بر دبي. تجربة صغيرة في مساحتها، لكنها كبيرة في تأثيرها، حيث فتحت أمامي أبوابًا لعالم أوسع من الفرص في مجال تطوير المراكز التجارية.
التحول الأول: ماجد الفطيم – حيث تبدأ الحكايات الكبيرة
الخطوة التالية كانت انتقالًا نوعيًا نحو أحد أكبر اللاعبين في قطاع التجزئة في المنطقة: مجموعة ماجد الفطيم. أربع سنوات من العمل الحيوي، شاركت خلالها في تأسيس وإطلاق مجموعة من المولات في الإمارات، أبرزها كان مشروع عجمان سيتي سنتر منذ بداياته عام 1999. كانت تلك المرحلة مدرسة حقيقية في مفاهيم التخطيط والتطوير والتأجير والتشغيل المتكامل. هناك تعلّمت كيف تُخطط مدينة داخل مدينة. كيف يتحوّل المخطط إلى تجربة، والرسمة إلى واقع.
إلى مكة... مدينة الروح وفرصة التحدي
ثم حملتني التجربة إلى المملكة العربية السعودية، وتحديدًا إلى مكة المكرمة، حيث قمت بتطوير وإدارة سوق الضيافة في منطقة الزاهر لمدة خمس سنوات حافلة بالتحديات والنجاحات. هذا المشروع كان علامة فارقة في تاريخ مكة التجاري، وكان في حينه أكبر وأحدث مركز تسوق في المدينة المقدسة.
الرياض... بداية القصة الكبرى
من مكة إلى الرياض، حيث بدأت الفصل الأهم من رحلتي المهنية مع شركة عبدالله العثيم للاستثمار والتطوير العقاري. في عام 2007، كانت العثيم تمتلك فقط مركزين تجاريين: الربوة مول في الرياض وبريدة مول، كل منهما بمساحة لا تتجاوز 24,000 متر مربع تأجيري.
لكن خلال السنوات التالية، عملت ضمن فريق مكوّن من خمسة أشخاص أساسيين ممن ساهموا في بناء ما يمكن وصفه اليوم بـ"إمبراطورية العثيم" وساهمتُ في بناء واحدة من أعظم قصص النجاح في تاريخ المولات السعودية. بحلول وقت مغادرتي للشركة، كنا قد افتتحنا عشر مولات في تسع مدن سعودية، جميعها بمساحات تأجيرية لا تقل عن 40,000 متر مربع، وكل مشروع منها كان بصمة فريدة في مدينته.
أدواري القيادية في تطوير أهم المشاريع
-الربوة مول - الرياض: توليت إدارة المشروع منذ فكرة التوسعة وحتى الافتتاح الكامل، ليصل إلى قرابة 90,000 متر مربع تأجيري. كنت مسؤولًا عن كل مراحل التطوير: من التصاميم إلى الحفر، من التأجير إلى التشغيل والإدارة.
-خريص مول - الرياض: مشروع بدأتُ به من الصفر، من قطعة أرض خالية إلى مول متكامل بمساحة 63,000 متر مربع تأجيري.
-الأحساء مول: أشرفت على تطويره وتشغيله منذ أن كان تصورًا وحتى الافتتاح الكبير عام 2008، والذي كان حدثًا فريدًا حقق أرقامًا قياسية في زواره ومبيعاته.
من الميدان إلى مركز القرار
في مرحلة لاحقة، انتقلت إلى المكتب الرئيسي لشركة العثيم، حيث توليت إدارة قسم التأجير، وأصبحت عضوًا دائمًا في اللجنة التنفيذية للشركة، التي تتولى صياغة وصناعة كل القرارات الاستراتيجية.
ساهمت في تطوير العديد من المولات من مراحل الأفكار والرسم الأولى إلى التشغيل الكامل، منها:
-الدمام، حائل، عنيزة، عرعر، حفر الباطن، الخفجي.
-كما ساهمت في الإعداد الأولي للعديد من المشاريع المستقبلية في مختلف مناطق المملكة.
شراكات استراتيجية مع أكبر الأسماء في الريتيل
خلال هذه المرحلة، لعبت دورًا محوريًا في تطوير علاقات استراتيجية مع كبار اللاعبين في سوق التجزئة، وأسست لنماذج شراكة مبتكرة لم تكن مطبّقة من قبل:
-شركة أباريل: توسعت معنا لتصل إلى أكثر من 20,000 متر تأجيري.
-الشمس والرمال للرياضة: افتتحت 8 مواقع معنا.
-رد تاغ، سنتر بوينت، سيتي ماكس، نعومي، مهيار، التعليم المبكر، ستيك هاوس، بياتو، والشايع.
هذه العلاقات لم تكن مجرد صفقات تأجير، بل تحولت إلى شراكات استراتيجية طويلة الأمد، كان لها الأثر الأكبر في تطور العلامات التجارية والمراكز التجارية على حد سواء. كنّا شركاء نجاح، نبني المولات كما نبني العلامات. وكانت "العثيم" بيتًا… وكنت أحد أعمدته.
بناء منظومة متكاملة
لم يكن عملي مقتصرًا على تطوير المشاريع فقط، بل امتد إلى الإشراف الكامل على فرق التأجير، والمساهمة في تطوير أعمال الشركات الشقيقة للعثيم مثل:
-العثيم للترفيه
-العثيم لايف
-العثيم فود
حيث تم التوسع في إدخال هذه العلامات إلى جميع المراكز الجديدة.
الأرقام تلخّص الرحلة:
-أكثر من 10,000,000 قدم مربع من المساحات تم تطويرها وتشغيلها وتأجيرها تحت إشرافي.
-مئات الملايين من الريالات قيمة عقود تأجيرية تم توقيعها عبر عملي المباشر أو من خلال فريقي.
-30 عامًا من الخبرة.
-12 عامًا من قيادة فرق التأجير والتشغيل والتطوير.
ختامًا
رحلتي في عالم المولات لم تكن مجرد مسيرة وظيفية، بل كانت حكاية شغف، ومشروع عمر، ورؤية تتحقق على الأرض. من دبي إلى الرياض، ومن مركز صغير إلى شبكة من المولات التي تخدم ملايين الزوار، كانت كل خطوة مليئة بالتحديات والفرص والنجاحات.
هذه ليست سيرة ذاتية… بل خلاصة عمر من العمل الحقيقي، من الميدان إلى القرار، من الخرائط إلى التأسيس، من الأفكار إلى الأرقام.
هذه قصة سليمان عوده.
وهذه ليست النهاية… بل مجرد بداية جديدة.